title
بدأ الفلاحون بتحديث أدوات ووسائل سقايتهم لمزارعهم؛ وذلك بالاستغناء عن(السواني) من الإبل، واستبدالها بمكائن حديثة تعمل بالديزل، ومن ضمنهم والدي.
كان لدينا ناقتان (دخينة والحمراء) وأكبر إخواني مكلفٌ بزعب الماء حتى تمتلئ (الجوابي الثلاث) ، ثم يسرّح الناقتين إلى الفلاة؛ ويعود لسقيا النخل والشجر والمزروعات، ومع العصر يخرج أخي الثاني (أكبر مني) لجلب الناقتين.
الآن بعد أن وصلت (المكينة) الجديدة(اللستر) في صندوقها الخشبي الكبير، ووُضِعَ صندوق(الطرمبة) بجانبها، ومُدِّدَ القصب الطويل اللامع(3بوصة)؛ فلم يعد للناقتين دور؛ وبالتالي فهما تسرحان من الصباح إلى المرعى ويعود بهما أخي قبل الغروب.
جاء اليوم الموعود لتركيب (المكينة)، ومن بعد الظهر حضر المهندس ــ مع معاونيه ــ من المدينة بسيارته (الونيت)، وأنزل عدّته ومفكّاته، وبدأ العمل، امتدت أيادٍ كثيرة من رجال القرية وشبابها للدعم والمساعدة.
ذبح أخي الكبير خروفين عشاءً للمهندس ومن معه، وتركهما لأمي وصاحباتها اللائي حضرن للمساعدة أيضًا. أركض بين البيت والبئر، وأبي ينهرني؛ حتى لا أسقط أو أقع، أو أعبث بشيء؛ قبل العصر طلب أخي:
ــ اذهب لجلب الناقتين!
هذه الوظيفة أبعدتني عن تجوالي الفضولي؛ وهكذا خرجت ماشيًا باتجاه الشمال، مزرعتنا هي الثانية شمال القرية، بعدها ينفتح السهل، ثم يبدأ بالارتفاع حتى وصول وادي(ذرافة)الخارج من أجا والمتجه شرقًا، وجدت الناقتين عائدتين على مهل، والشمس ترتفع فوق قمة الجبل بمسافة. وصلت بطحاء الوادي النقية، وأخذت ألعب هناك، ثم غفوت.
تم تركيب المكينة على القليب، وتشغيلها؛ وهلل الحضور لخروج الماء قويًا، ثم أمّ أبي الحضور، بعدها دعاهم للعشاء.
عادت الناقتان، فسألت عني أمي، وبدأ البحث ولما لم يجدوني؛ فزعت، وخرجت برفقة أخي الكبير في الظلام، تجاوزا حد القرية، ثم توجها شمالًا.
ينادي أخي ـ اسمي ـ بكل قوة؛ فلا مجيب.
عندما استيقظت كان الظلام يعم كل شيء؛ ولأني أعرف جهة القرية، سميت باسم الله، وقرأت (قل أعوذ برب الناس) ثم ركضت، لم يكن ركضًا ـ كما أفعل عادةً ـ بل طيرانًا؛ حتى الأشجار الصغيرة كالعوسج والرمث طرتُ من فوقها. يكاد قلبي أن يخرج من فمي، وأنا أسمع ركض الجن خلفي. أتوقف فلا أسمع أي صوت؛ ثم أقرأ المعوذات، وعندما أركض أشعر بصوت ركضهم؛ وكأن أيديهم ستمتد وتمسكني.
عندما سمعت نداء أخي صرخت عاليًا، وركضت حتى حضنتني أمي، فبكيت كثيرًا.
مرّت ليالٌ كثيرة، أفزع فيها، حتى تسمّي عليّ أمي، وتضمني فأنام.